هل سألت نفسك من قبل عن قصة برج الفتاة في مياه البوسفور في اسطنبول؟ حين يكون بينك وبينه أقل من 200 متر فقط، حيث يجلس الناس على ساحل إسكودار ويقومون بالطقوس الخاصة به من تناول الشاي التركي مع السيميت؟ تعالَ نتعرف معاً على أسطورة هذا البرج.
أولاً عليك أن تعرف أن برج الفتاة مكون من ستة طوابق يربط بينها سلم حلزوني، إذ يصل ارتفاعه إلى 23 متراً، وله قبة، وشكله الهندسي مثمَّن. يمكنك الوصول إليه في رحلةٍ قصيرةٍ لا تستغرق أكثر من دقائق قليلة، ليسحرك منظره العجيب وسط المياه، ولتفكر طويلًا في قصته التي ترجعها بعض المصادر إلى ما قبل الميلاد.
يُحكى أنه في قديم الزمان كان هناك ملكٌ له ابنة وحيدة، رأى في المنام أنها ستموت بسبب لدغة أفعى في عيد ميلادها الثامن عشر، ففزع الملك وأمرَ بردم جزءٍ من الساحل، وأن يبنوا فوقه برجًا تحيط به المياه من كل الجهات، فلا يمكن الوصول إليها إلا من خلال أبيها بواسطة مركب.
بُني البرج بهذا الشكل الفني الساحر، ونُقلت إليه الطفلة الصغيرة لتعيش وحيدةً بين جدرانه الصلبة، بلا أهل ولا أصدقاء ولا حرية في الحركة، من الممكن أن نقول أن خوفَ أبيها عليها وحبه الشديد لها جعلها محكومةً بالسجن مدى الحياة، وظلت في هذا المكان يذهب إليها الحراس بالطعام كل يوم، ويزورها أبوها من وقت إلى آخَر.
إلى أن جاء عيد ميلادها الثامن عشر، فأرسل إليها أبوها هديةً وهو مطمئن تماماً أن اليوم سيمر على خير وأن الكابوس الذي أتعبه كثيراً لن يتحقق، وها هو عيد ميلاد الفتاة يأتي وهي تعيش وسط المياه وبعيدة عن اليابسة وما فيها من ضرر.
لكن الكابوس تحقق، فكانت الهدية التي أرسلها الملك عبارة عن سلة من الفاكهة، وتسلل إلى السلة ثعبانٌ سام أودى بحياة الفتاة في الزمان المحدد منذ أعوام طويلة! وهنا أدرك الملك أنه لا مفر من القدَر، وعاش طوال عمره حزيناً نادماٍ، أنه ما دام القدر سيتحقق لا محالة، فلماذا حرم ابنته من الحياة الطبيعية كل هذا الوقت، ولماذا عزلها عن العالم ما دامت ستموت في النهاية.
بسبب هذه الأسطورة المأساوية ظل البرج بعد الفتاة مهجورًا تمامًا، لكن بدأ استخدامه مجدداً في القرن الثاني عشر الميلادي كمحطةٍ للسفن القادمة عبر البحر الأسود، ومع فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح تم استخدامه كبرج للمراقبة، ثم تعرض بعدها على مر العصور إلى زلازل أدى إلى تهدم أجزاء منه، أو حرائق محت بعضًا من معالمه، فرمّمه بعض الأمراء والخلفاء، وضمنهم إبراهيم باشا، وبين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر استُخدم كمنارةٍ ثم كحجْر صحي، وأخيرًا كان لمحمود باشا الفضل في تحصينه بكتل خرسانية صلبة تحميه من الزلازل، ثم تحول إلى معلَمٍ سياحي ومبنى أثري يقصده السياح من كل مناطق العالم.
إذا زرتَ تركيا ولم تجلس أمام برج الفتاة في إسطنبول ممدداً قدميك تتناول السيميت مع الشاي، فأنت لم ترَ تركيا بعد.